الفرقان Admin
عدد المساهمات : 91 تاريخ التسجيل : 11/07/2009
| موضوع: خلق النبي (صلى الله عليه وسلم) مع ربه في جانب الأسماء والصفات الخميس يناير 07, 2010 9:11 pm | |
| توحيد الأسماء والصفات: هو إفرادُ الله-عَزَّ وجَلَّ-بما له مِنَ الأسماءِ والصِّفاتِ،وهذا يتضمنُ شيئينِ:
الأول: الإثبات،وذلك بأن نثبت لله-تعالى-جميعَ أسمائِهِ وصفاتِهِ.
الثاني: نفي المماثل؛وذلك بأنْ لا يُجعلَ لله مثيلٌ في أسمائِهِ وصفاتِهِ،كما قال-تعالى-:ليس كمثله شيء وهو السميعُ البصير الشورى: 11, راجع:القول المفيد على كتاب التوحيد: ص 12.
ويتفاضل العبادُ في درجات هذه المعرفةِ بحسب ما يعرفون من أسماءِ الله وصفاتِهِ،وبحسب ما يفتح الله لهم من رحمتِهِ،وكذا بحسب تأملاتهم في ملكوت السماوات والأرض،مُتعرِّفين بذلك على الخالقِ البارئِ وصفاتِهِ التي تظهرُ آثارُها في مخلوقاتِهِ،فدرجاتُهم فيها بحسب (الإجمالِ والتَّفصيلِ،والقوة والضعف، ودوام الحضور أو الغفلة،فليست المفصلة المستحضرة الثابتة التي يثبت الله صاحبها بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كالمجملة التي غُفل عنها).1
وكمال معرفة الله-عَزَّ وجَلَّ-: معرفة أسمائه وصفاته، فكلما زادت معرفة العبد بأسماء الله وصفاته, ازدادت معرفتُهُ بربِّه-سبحانه وتعالى-،والعباد يتفاوتون في ذلك فـ( مِن الناسِ مَن ليس لهم من معرفةِ اللهِ-تعالى-إلا الصفات والأسماء التي قرعت أسماعهم،ومنهم مَن يُحصي أسماءه-سبحانه-ويعدُّها، ومنهم من خصَّهُ الله بعلمٍ من لدنه،ومِن الناس مَن يعرف الله في الرخاء،ومنهم مَن يعرفه في الشدة، ودرجة الكمال أنْ يعرفَهُ في كُلِّ أحوالِهِ.ومِن الناس مَن يعرف الله بالجودِ والإفضالِ والإحسانِ، ومنهم مَن يعرفه بالعفو والحلمِ والتجاوزِ،ومنهم مَن يعرفه بالبطشِ والانتقامِ،ومنهم مَن يعرفه بالعلمِ والحكمةِ، ومنهم مَن يعرفه بالعزةِ والكبرياءِ،ومنهم مَن يعرفه بالرحمةِ والبر واللطف،ومنهم مَن يعرفه بالقهر والملك،ومنهم مَن يعرفه بإجابةِ دعوتِهِ،رباً قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن المثال، بريء من النقائص والعيوب،له كل اسم حسن,وكل وصف كمال،فعال لما يريد، فوق كل شيء،ومع كل شيء،وقادر على كل شيء،وأجمل من كل شيء،وأرحم الراحمين وأقدر القادرين،وأحكم الحاكمين).2
ومن الناس: العالم البصير الذي يطالع في تفاصيل صنع الله - تعالى -حتى يرى ما يبهر عقله، فتزداد عظمة الله في قلبه، فيزداد حباً له.
وأكمل هؤلاء جميعاً أنبياء الله-عَزَّ وجَلَّ-الذين ينزل الوحي على قلوبهم, وقد زكت نفوسُهم،وفتح الله لهم مِن محامدِهِ،فعرفوا ربَّهم أكملَ معرفةٍ وعبدوه أكملَ عبادةٍ،ولهذا قال عنهم اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) الأنعام: 90، وسيرهم العظيمة تزخر بشواهد المعرفة من عظيم محبة الإله،والتذلل،والخضوع له ودوام دعائه وذكره مما لا يتسع المقام لعرضه هنا.
وأكملهم على الإطلاق محمد (صلى اللهُ عليه وسلم)الذي اصطفاه الله؛ليكون خاتم النبيين وخير الأولين والآخرين،وأنزل عليه أعظم كتاب عرَّف فيه نفسَهُ-عَزَّ وجَلَّ-,وقد قرر هو ذلك بقولهلأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية). البخاري كتاب الأدب باب من لم يواجه الناس بالعتاب (10/529) رقم (6101)، ومسلم كتاب الفضائل باب علمه(صلى اللهُ عليه وسلم)بالله تعالى وشدة خشيته 4/1829) رقم (2356), كما أنه(صلى اللهُ عليه وسلم)هو الذي دلنا على هذه المعرفة وبينها لنا أكمل بيان ودعانا إليها بعد أن ذاق حلاوتها،قال ابن تيميةومعلوم أنَّ رسولَ اللهِ(صلى اللهُ عليه وسلم)أعلمُ من غيرِهِ بذلك,وأفصح من غيرِهِ عبارةً وبياناً،بل هو أعلمُ الخلقِ بذلك،وأنصحُ الخلقِ للأُمَّةِ،وأفصحهم،فقد اجتمع في حقِّهِ كمالُ العلمِ والقُدرةِ والإرادةِ)3. تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات (ص185- 187) رسالة ماجستير لفوز كردي.
ولما كان النَّبيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)أعلم الناس بربه-سبحانه وتعالى-لما يطلعه عليه اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-, فهو المبلغ ما أمره به،ويقول ما أطلعه الله عليه-سبحانه وتعالى-،فقد كان(صلى اللهُ عليه وسلم)هو الحارس لجناب التوحيد من أن تدخل عليه شائبة تشوش على أصحابه،فما يحدث من أمر لا يوافق شرع الله إلا بيَّنه ووضَّحه،وكان يُوجِّه الصَّحابةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-في الحوادثِ التي فيها مخالفةٌ,ويُعرِّفُهم بالله- عَزَّ وجَلَّ-،من ذلك قوله عندما سمع أُناساً يرفعون أصواتهم بالدُّعاءِيا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنه معكم سميع قريب، تبارك وتعالى جده)4وفي روايةٍوالذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم)5 فعرَّفهم بقُربِ ربِّهم ممن دعاه,وأنه هو السميع العليم، وأنه سميعٌ شهيد؛لتطمئن نفوسُهم،ويجري ذكرُهُ ودعاؤه على ألسنتِهم وقلوبهم،لا يتكلفون في ذلك رفع الأصوات، ولا يخافون عدم وصول طلبهم إليه-عَزَّ وجَلَّ-.
وتعليمه(صلى اللهُ عليه وسلم)لصحابته دعاء الاستخارة قائلاًإذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب).
البخاري:كتاب التوحيد, باب قوله–تعالى-((قل هو القادر)) (13/387),رقم (7390).
فكم في هذا الدعاء الذي ذكره النَّبيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)لأصحابه من الاعتراف لله بما هو أهله, ووصفه بما يستحقُّه من الكمال في القدرة والعلم والفضل،وكم تورث هذه الكلمات العبدَ من المعرفة الصحيحة التي تجعله يتبرأ من حوله وقوته،ويستقبل ما يقدره الله له بكامل الرضا–.وكذا في دعاء الهم والحزن وغيره مما كان رسولُ اللهِ(صلى اللهُ عليه وسلم)يعلمه صحابتَهُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-وأمته كلها من بعدهم.
وكان النَّبيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)في دعائه الدائم، أو تسبيحه الخاشع، وتمجيده لربه-عَزَّ وجَلَّ-وثنائه عليه بما هو أهله-سبحانه وتعالى-،فكان يمجده واصفاً إياه بالنور والجمال فيقول: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن) البخاري - الفتح- كتاب الدعوات باب الدعاء إذا انتبه بالليل (11/120) رقم (6317) مسلم كتاب المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/532) رقم (769)
وكان يُسبِّحُ ربَّهُ-عَزَّ وجَلَّ-قائلاًسبحان الله رضى نفسه)6وإذا ضاقت الدنيا واشتد الكرب قاللا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم).7
فلسانه أبداً رطب بذكر الله-عَزَّ وجَلَّ-،يردد قبل النوم تمجيداً وابتهالاً: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر) مسلم: كتاب الذكر والدعاء باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (4/2084) رقم (2713).
ورسول الله(صلى اللهُ عليه وسلم)في ذلك كله ينهج نهج القرآن الكريم في الإثبات المفصل والنفي المجمل والذي هو منهج رسل الله جميعاً في الإخبار عن الله-عَزَّ وجَلَّ-قال ابن تيمية: (وطريق الرسل – صلوات الله عليهم- إثبات صفات الكمال لله على وجه التفصيل ونفي مجمل) مجموع الفتاوى (6/515).
والمتأمل في سيرته(صلى اللهُ عليه وسلم)يجده في كل أحواله مُتوجَّهاً لله-عَزَّ وجَلَّ-بالدعاء والثناء والحمد والشكر، ناسباً له كل فضل، ملتجئاً إليه راجياً رحمته ومستجيراً من عذابه، فمن تعرف على سيرته العظيمة فإنه يتعرف من خلالها على ما كان يثبته لربه-سبحانه وتعالى-الذي هو أعرف الخلق به.
تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات ص228-231,بتصرف يسير. | |
|